يقول الشيخ محمد خير الدين في مذكّراته :
تقدم العرب الهلاليون وأحلافهم نحو الجزائر ودخلوها من ثلاث جهات عام : 442هـ-1051م .
الأولى : جهة السواحل حيث انتشروا على ضواحي القالة و عنابة و قسنطينة والقل إلى جبال بابور
الثانية : جهة الهضاب العليا الواقعة بين الأطلس التلي والأطلس الصحراوي .
الثالثة : جهة الصحراء ، وانتشروا جنوب الأوراس على قرى الزاب وانتهوا أيام الموحدين إلى مزاب وجبل راشد .
ـ "لما ضعفت الدولة الموحدية المؤمنية ، ونشأت دولتا : بني زيان و بني مرين احتاجت الدولتان إلى العرب لتعزيز سيادتهما ، فدخل الهلاليون وأحلافهم شمال المغرب الأوسط من عمالة وهران .
وهكذا تم للعرب استيطان الجزائر بالرهبة من سيوفهم أولاً وبالرغبة فيها أخيرًا .
فأقطع
لهم الملوك الاقطاعات ، و أجزلوا لأمرائهم الصلات ، وتقربوا إليهم
بالمصاهرات ، و أضيفت إفريقيا الشمالية إلى جزيرة العرب جنسيا بعد ما تبعتها دينيا وسياسيا ".
يقول ابن خلدون :" كانت قبيلة رياح أقوى قبائل بني هلال وأكثرها عدداً ، وكانت قيادتها بيد الذواودة أبناء ذواد بن رياح ، وقد تولى قيادتها أيام الموحدين رجل قوي لعب دورا هاما في تاريخ دولة الموحدين ، ذلك هو أبو سرحان مسعود ابن سلطان بن زمام بن رديني بن ذواد بن مرداس بن رياح .
و قد انتشرت بطون رياح من الجريد إلى القيروان على الزاب إلى المسيلة إلى ورقلة ، ولهم إقطاعات الحضنة ونواحي قسنطينة و بجاية .
ولقبيلة مرداس بطون كثيرة منها الذواودة أولاد ضنبر بن عقيل بن مرداس ومسلم بن عقيل ورحمان وعامر بن يزيد بن مرداس ، ومن الذواودة أولاد عساكر بن سلطان أولاد محمد بن مسعود بن سلطان وأولاد سباع يحي بن سلطان . "
قال الميلي : " ولا يعني استيطان هذه القبائل في تلك البلاد أنها عاشت في هدوء واستقرار بل بالعكس من ذلك ، كانت دائمة التنازع والتصادم في المجالين الداخلي والخارجي .
ـ ففي المجال الداخلي كثيرًا ما تقع الحروب بين الهلاليين سواء بين قبيلتين متجاورتين أو أكثر لأسباب أهمها التنازع على أسباب الحياة وخاصة في المناطق الصحراوية ، أو بين أفراد القبيلة الواحدة بسبب التنازع على الرئاسة ، وينتج عن هذه الحروب ضعف قبيلة واستعلاء أخرى ، فتضطر القبيلة الضعيفة إمّا للجلاء إلى ناحية أخرى ، وإما للاحتماء بقبيلة أقوى ، فتضع القبيلة المحمية عربية أم بربرية ويسمون هذه الضريبة غفارة وهي غاية الشرف الحربي ".
ـ أما في المجال الخارجي فإن أحداث المنطقة التي استوطنوها بالإضافة إلى طبيعتهم جعلت منهم عاملا مؤثرا في الحروب والمعارك العديدة ، فعندما احتاجت الحكومات البربرية إلى القبائل العربية ، قربت رؤساءها بالمصاهرات والمجالسات
، واقطعتهم الأراضي ، واعتمدت عليهم في جباية الخراج ، وتجنيد الجند ، وقد
عرف العرب أن نعمتهم لا تدوم إلا بإضعاف الحكومة ، فكانوا يحدثون لها ،
المشاكل ويديرون عليها الثورات نابذين ما بينهم من تراث ، وينقسمون على الحكومات متى تعددت .
وقد أصبحت الحكومات : الحفصية والمرينية كل منها تعتمد على قبائل عربية سلما وحربا .
ولم تكن مشاغبة الهلاليين للحكومات البربرية طمعا في الملك أو طلبا للفوضى وإنما كانت لحفظ حياتهم البدوية .
وقد أطنب ابن خلدون في حديثه عن الذواودة لمعاصرته لهم وصلته
الوثيقة بهم لفترة طويلة حيث أقام ست سنوات فيها مع عائلته وأبنائه بمدينة
بسكرة وتحت رعايتهم ، وقام خلال ها بالعديد من السفارات محاولا إصلاح ذات
البين بين ملوك الحفصيين بتونس ، وبين الذواودة تارة ، وبينهم وبين ملوك
تلمسان الزيانيين تارة أخرى .
وكان في بعض الأحيان يتصل بصديقه يعقوب بن علي الذواودي أمير قبيلة رياح لإقامة حلف بين هذه الدولة أو تلك ، وكان للذواودة نفوذ على أوطانهم يزداد قوة بضعف دولة صنهاجة .